mercoledì 20 febbraio 2019

يقول ستين بوردنغ أندرسون إن كلمة "بيد" تذكرنا بأن الأمور كان يمكن أن تتطور إلى الأسوأ

وعلى طريقة اختبار جهاز المشي الذي أجرته مؤسسة "هارفارد غرانت"، فإن أحد أشهر الدراسات عن ضبط النفس تعلمنا القليل عن كيفية تركيزنا على البيئة الطبيعية. وتقدم هذه الدراسة، التي أجرتها جامعة ستانفورد ويطلق عليها اسم "اختبار المارشملو"، قطعة من الحلوى أو قطعتين للأطفال وتراقب فيما إذا تمكنوا من مقاومة أكل القطعة الأولى لفترة من الوقت. ويقول البحث إن أكثر الوسائل التي اتبعها الأطفال نجاحاً كان تشتيت تركيزهم بأنفسهم عن المهمة الأساسية. لكن هذا لا ينطبق على التحديات التي نشهدها في واقع الحياة.
في البداية، يجب الإشارة إلى أن "اختبار المارشملو" ليس طبيعيا، لأننا لن نجد أن هناك الكثير من المهمات في الحياة اليومية التي تتطلب الانتظار لمدة 15 دقيقة فقط من أجل تحقيق النجاح، لكن الكثير من المهمات ربما تتطلب صبراً كبيرا، وهو ما يعني في هذه الحالة أن تشتيت ذهنك بنفسك هو أسوأ ما يمكن أن تقوم به.
تقول هينيكي: "الواقع يختلف بالتأكيد عن اختبار حلوى المارشميلو. صحيح أن كليهما يتطلب ضبط النفس، لكن اختبار الحلوى ركز على الرغبة والشهية التي تتطلب منك تشتيت ذهنك. أما في المهمات اليومية التي قمنا بدراستها وقياسها، فقد ذكر الناس أنهم استخدموا التشتيت الذهني كطريقة مفروضة ذاتياً لمواجهة المهمات غير السارة".
وتضيف: "أنا أتوقع أن التفكير بشيء آخر يعني أنك تفقد الاهتمام بالمهمة التي يتعين عليك القيام بها. لقد توصلنا إلى أن استخدام التشتيت الذهني لم يكن فقط استراتيجية غير ناجحة، لكن كانت له أيضا أثار سلبية. ربما يمنحك ذلك شعوراً أفضل، لكنه لا يساعدك على تحقيق النجاح في نهاية المطاف. ومن المؤكد أن الأشخاص الذين لديهم قدرة أكبر على التحكم في الذات يستخدمون هذه الاستراتيجية على نطاق أضيق بكثير من غيرهم".
وعلى أية حال، يبدو أن بعض الناس لا يواجهون مشكلة في القيام بمهمات لا يحبونها.
تقول هينيكي: "إذا كانت هناك نتيجة واحدة يمكن استخلاصها من كل ما سبق، فبإمكاننا القول إن الاستراتيجيات الأربعة التي أشرنا إليها في السابق قد أثبتت نجاحها لجميع الناس في حياتهم اليومية".
لا يحب الدنماركيون، الذين اشتهروا بأنهم من أسعد شعوب العالم، شيئا قدر حبهم الاستمتاع باللحظة الراهنة، أو "هوغاه" باللغة الدنماركية، والتي قد تعني أن تقرأ كتابا وأنت تحت بطانية صوفية دافئة، أو أن تقضي أمسية في المنزل مع المقربين منك وتطلقون الضحكات في ضوء الشموع الخافت وتحتسون معا الشيكولاته الساخنة أو النبيذ المنكّه بالبهارات أو القهوة.
إلا أن الدنمارك تشهد في بعض الأيام أمطارا غزيرة. فماذا يفعل الدنماركيون إن لم يتمكنوا من الاستمتاع بيوم هادئ ومريح كما كانوا يأملون؟
في هذه الحالة فإن الحل يكمن في كلمة سحرية من ثلاثة أحرف، "بيد". وهذه الكلمة، كشأن كلمة "هوغاه"، لا يوجد مرادف لها في اللغات الأخرى، لكنها قد تعني "لا بأس" أو "لا تكترث"، أو "اعتبر الأمر كأن لم يكن".
لكن هذه العبارات لا تعكس الجانب الإيجابي لهذه الكلمة في اللغة الدنماركية، إذ تعبر كلمة "بيد" عن التسليم بأن ما حدث كان خارجا عن السيطرة. وبغض النظر عن مدى ضيقك أو إحباطك، فأنت تقرر ألا تهدر طاقتك في الندم والتأسف لما حدث. كما يستخدمها البعض أيضا لطمأنة الأخرين والتخفيف عنهم في المواقف المحرجة.
وفي مسابقة لاختيار الكلمة الأقرب إلى قلوب الدنماركين نظمتها هيئة المكتبات الدنماركية في سبتمبر/أيلول 2018، وقع الاختيار على كلمة "بيد" أو لا بأس.
وقد كتب كريس ماكدونالد، عالم النفس والمحاضر الأمريكي الذي انتقل إلى الدنمارك منذ 20 عاما في مقالته التي نشرت في إحدى الصحف القومية: "إن كلمة "بيد" لها وقع إيجابي منقطع النظير، إذ يدفعك تأثيرها العجيب إلى التغاضي عن الأمور التي نعجز عن تغييرها. فهذه الكلمة تبعث على الارتياح".
ويقول ماكدونالد إن اللغة الدنماركية شديدة الرتابة، لكنه منذ أن بدأ تعلمها، لفتت نظره كلمة "بيد" بسبب خفتها واختلافها عن سائر الكلمات في اللغة الدنماركية التي تتميز بكثرة الأصوات الحلقية. ويقول ماكدونالد إن الكلمة تستخدم عادة للتعبير عن تقبل موقف مزعج ويستحيل تغييره، ما دام لا يمثل خطورة على حياة الشخص أو يتسبب في تغيير مجرى حياته.
ويقول جوناس جنسن، كبير محرري القاموس الدنماركي، إن الدنمارك، خلافا للغتها، غنية بالمناظر الطبيعية الخلابة. وبسبب أراضيها المنبسطة، تعد الدنمارك واحدة من أفضل الوجهات للدراجين، إذ تضم أكثر الطرق ملاءمة في العالم لممارسة رياضة ركوب الدراجات.
ويحكي جنسن عن زوجين بريطانيين قررا استكشاف شبه جزيرة جوتلاند في الدنمارك على دراجاتهما منذ ما يربو على 20 عاما. ومع اقتراب رحلتهما من النهاية، سقطت زوجته من الدراجة وأصيبت بكسر في عظم الترقوة، وكانا على بعد 20 كيلومترا من بلدة بيلوند- التي أقيمت فيها أول مدينة ملاهي "ليغولاند" الترفيهية، وتوجه الزوجان إلى أقرب عيادة، وهناك اصطحبهما والد جنسن، الذي كان يعمل طبيبا مناوبا في العيادة، إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وعندما علمت أمه بالأمر اقترحت عليه أن يدعوهما لتناول العشاء. ويقول جنسن إنه لا يتذكر أصناف الطعام، لكن كل ما يتذكره أن أمه استطاعت برباطة جأشها المعتادة أن تعد وليمة من بقايا الطعام، وجمعتها معا في أطباق شهية.
وبينما كانوا جالسين على المائدة، سقطت الكأس من يد الضيف البريطاني قبل أن يشرعوا في تناول الطعام، وانسكب النبيذ الأحمر على مفرش المائدة الأبيض. وساد الصمت في الغرفة لبرهة، ورمقت السيدة البريطانية زوجها بنظرة غاضبة، لكن سرعان ما تدخلت أمه لتقول "لا تبال، ستكون الأمور على ما يرام. سنغسل مفرش المائدة غدا".
وقضوا معا أمسية ممتعة، وكأن شيئا لم يحدث، وعاد الزوجان لزيارتهم مرة أخرى لتناول العشاء بعد يومين. إذ كانت كلمة "بيد"، أو (لا تهتم) لها مفعول السحر في تبديد الكآبة والحرج وأشاعت جوا من الود والألفة بين الجميع.